الاثنين، 4 يناير 2016

على مذهب ربِّي !!


تامر الأشعري
إذا سألتَ عن الأديب؛ فلا تسأل عنه الحزب ولا المذهب ولا الجماعة، بل سل عنه نعومة الغمامة، وبراءة الحمَامة، وتُفّاح الخدود، وإغراء القدود، وحفيف الأوراق، ووجيف الأشواق، ووساوس العشاق، وتحايا الأزهار، وعناد الأنهار ..
لا يستطيع المبدع أن ينتمي إلا إلى الزهور وألوانها، والعصافير وأفنانها، والنسائم وأسرارها، والآفاق وأنوارها...
لستُ مع من يلوم على قلب الأديب كثرة تمايله، وزهوَه بتفرُّد شمائله، لأن الأدباء هم جنة الله في الأرض، لهم تبسط ملائكةُ اللغاتِ مطارفَها، وتهيئ لهم أزهارُ المعاني زخارفَها، وتهدي إليهم أنسامُ الخيالات لطائفَها!
إذا رأيتَ ساعة نشور الألفاظ قد اقتربت، وأرض البلاغة قد اهتزّت وربَت، فاعلم أن أديبًا نوى القدوم عليك، وطفق يسوق سحائب عجائبه إليك، فانظر –حينئذ- إلى الحُبّ وقد ورَد، والملل وقد شرَد، ورحيق البهجة وقد انعقد.. وإذا بأنفاس الإيناس تُقتَطفُ بلا اتفاق، وقُبُلاتُ النشوة تُختَطف من بين الشفاه والأعناق !
الأديب قريب في بُعده، بعيد في قُربه، إنه رقيب الناس جميعا وشاهدُهم، وسيدهم ومنادِمهم .. وسيد القوم خادمهم .. بيت الشِّعر دارُه، وبرجُ القافية مدارُه، لا يتحزّب إلا لخلوة ذِكْره، ولا يتعصّب إلا لبنات فكره !
والمبدع عفريت، فإذا حَبَس نفسه في قُمقُم "الانتماء الضيق"؛ أضحى سرورُ شِعره مكدورا، وغرورُ نثره مبتورا، وقمَرُ أحاسيسه هباءً منثورا !
فطوبى لمن عاش عيش السُّعَدا، منكبًّا على حزب روحه أبدا، فلا يرهن أكوانَ إبداعه لأقفاص الجماعات الضيقة؛ لتتنعّم بيابسه ورطْبه، جاهلةً بجلالة قدره وخَطْبه، غافلَة عما أُودِع في رأسه من كنوز ربِّه .. فيُمسي تحت شروطها ممعُوكا، وبين مناكفاتها معرُوكا !
 ويحَكُمْ ! . إنه إنّما يهيمُ بلحن أشواقه بين (الأحباب)، لا بين (الأحزاب)، ويسكب خمرته في كؤوس (المواهب)، لا في عمائم (المذاهب)،  وينفش مراتع جِنانِه فوق منابع (اللطائف)؛ لا فوق منابر (الطوائف) !
سأل أحدهم الحسين بن منصور الحلّاج : على أي مذهب أنت؟. فقال : "إني على مذهب ربِّي" !
ويالها من إجابة !. لو وزّعت على أمَّة محمدٍ كلِّها .. لوَسِعتهم !



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق