الجمعة، 1 يناير 2016

أدبية النقد أم نقدية الأدب ؟


نشر في الجمهورية يوم 05 - 07 - 2012

ليس النقد بأفضل من حديقة في يوم عطلة ، يتجادل في ساحتها خطباء متشاكسون 1 ، وسبب ذلك توهم بعض النقاد أن المطلوب منه أن يكشف لنا “ أسلوبا” أو “ رؤية” فحسب ؛ متناسيا أن الناقد - أيضا - “ كاتب” – على حد تعبير رولان بارت – يجب أن نعترف بحقه في الإدلاء بكلام ما ، هو الكلام غير المباشر عما يتوخى نقده .2 
لقد كان من حسنات ابتعاد النقد – أحيانا كثيرة - عن المعايير العلمية إلى المقاييس الفنية ؛ أنه دفع بعض النقاد إلى الإحساس بمشكلة “ الكلام” ، ثم محاولة التعمق في هذا الإحساس ، ومن ثم جاءت طائفة من كتاباتهم النقدية ؛ مخاطبة أولئك القراء الذين خاطبتهم الكتابات الأدبية البحتة ، وهاهنا تتجلى قضية التعالق بين الإبداع والنقد ، وطبيعة التفاعل بينهما 3، متجسدة في حوار ديناميكي تتصارع فيه الأسئلة والأجوبة ، حتى يتجاوز مرحلة القراءة الانفعالية إلى القراءة الفعلية . 4
وسواء أكان النقد فنا أم علما ( إنسانيا ) ؛ فإنه إنما يستمد مقوماته من الأدب 5، ولو أنا وسعنا وظيفة النقد وفقا لمفهوم “ أدب النقد”؛ فسنجد له وظائف متعددة ، متمثلة في تحليل النصوص الأدبية أو تفسيرها أو تقديرها والحكم عليها ، أو إنتاج نصوص موازية لها ، أو كل هذه مجتمعة . 6
أجل .. قد يكون النقد خادعا حين يصدِر حكما متسرعا في عمل إبداعي ما ، فنقبله دون الرجوع إلى العمل الإبداعي نفسه ، فلا نفيد – حينئذ - من أدبه ، ولا نتبين صحة الحكم عن قرب .. ومع ذلك تبقى وظيفة النقد الأساسية هي أن يرينا جمال الأدب ويغرينا به ، فنعيش مع الأديب البارع ؛ لندرك معه أعظم معاني فهمه للحياة ، ونعيش مع الناقد المتمكن ؛ لندرك معه أعظم معاني فهمه للأدب .7
كنت قرأت طرفا من “ حكايات السحَّارة” ، وأجزاء من “حكاية الحداثة في السعودية”- وكلاهما للناقد السعودي عبد الله الغذامي - وتلمحت نتفا من الكتابات النقدية لوجدان الصائغ ، ومباحث من “ اللامعقول في الأدب الحديث” لكولن ولسن ... فرأيت في هذه وأشباهها أدبا في صورة نقد ، أو قل نقدا في هيئة أدب ، وكنت كلما هممت أن أحكم لأحدهما ؛ دلف إليَّ الآخر بحجته .. حتى أذعنت إلى أنهما روحان حلَّتا بدنا ، أوبدنان حلَّت فيهما روح واحدة .. هي جديرة بأن نسأل عنها ونستكنه أسرارها ؛ استكناها ينفتح على ما فيها من تقنيات المراوحة بين انعتاقات الإبداع وقيود التقييم، والمزاوجة بين لغتين ضرَّتين تناكفان لغة فنية واحدة ؛ ولو على رُغم أنف القائل : ( من الظلم سعيُ اثنين في قتلِ واحدِ ) !
الهوامش
-1 ينظر : وظيفة النقد – إليوت - ، ضمن كتاب (مقالات في النقد الأدبي ) ، ترجمة : إبراهيم حمادة ، ص 14.
-2 ينظر : النقد البنيوي للحكاية – بارت – ترجمة أنطوان أبو زيد ، منشورات عويدات – بيروت / باريس – ط1 ، 1988 م ، ص 9.
3 - ينظر : نفسه ، ص 57.
4 - ينظر : القراءة الإبداعية – دراسة في سيكلوجية الاتصال والإبداع ، اسماعيل الملحم ، اتحاد الكتاب العرب – دمشق – 2003 م ، ص 44 .
5 - ينظر : في النقد الأدبي ، عبد العزيز عتيق ، دار النهضة العربية – بيروت – ط 2 ، 1972 م ، ص 263 .
6 - ينظر : نفسه ، ص 265 .
7 - ينظر : نفسه ، ص 268 .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق