الاثنين، 4 يناير 2016

أول لؤلؤة !


 ?تامر الأشعري
لكي تكون كاتبا؛ ينبغي أن تكون قارئا، فإن القراءة أخت الكتابة من الرضاعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : "يحرُم من الرضاعة ما يحرُم من النسب"..
غير أنه يجب أن تتخير من الكتُب ما يصقل ذهنك، ويرقّق عاطفتك، ويغذّي روحك، ويُذهِلك عن كل شيء حولك، فتزداد إلى عقلك عقولا، وإلى روحك أرواحا، حتى تسكر بما تقرأ ويسكر بك، وذلك هو  النبيذ الزلال، والسُّكر الحلال !
بنانك بلا قراءة؛ صحاري شمطاء، تتلظى فيها الرمال، ويتربص بها شبح السخف من كل اتجاه، فإذا سيقت إليها سحائب المطالعة؛ اهتزت ورَبَت، وأنبتت من كل زوج بهيج !
بالقراءة، تنهض طيور إبداعك من أعماق الرماد، وتزورك مراتع الخيال من خلف مدائن الخريف، حتى تحلق بك النشوة؛ فتذرع الأرض، وتقيس طولها والعرض، وأنت قابعٌ في زاويتك، متكئٌ على أريكتك !
بالقراءة تكشف لك العبارات عن ساقيها، وتضمُّك ذكريات الماضي الناعمة فوق أسِرَّة الزمان، ووسائد الأيام، وبخور الدهور العابر للقارات.
ثِقْ أنّ قلمَك لنْ يصير أسدًا؛ حتى يهضم زريبة من خِراف الأشعار، وسبعة أبحر من حِيتان الأسرار، وعائلة كبيرة وعريقة من بنات الأفكار !
ربما نحن موتى ! لكن عروق المعرفة لم تمت، وإذا مات في الناس قارئ؛ اتشحت كتبه بالسواد، ولبست صفحاتها ثياب الحداد، حتى يقيِّض لها الحظُّ قارئا جديدا، يُحيي بساتين شفتيها، ويُنعِش ما ذبَلَ من وهَج عينيها !
بالمطالعة يمكنك أن تُداعب الوجوه الصِّباح، وتتسلل إلى النهود الملاح، وترِثَ الحشائش والأغاني فوق ضفاف الغرائب، وتترجمَ لشياطين الأدغال لغة القُبلات، وتعانقَ أميرات الجن في ألف ليلةٍ وليلة !
يا صديقي ..!
خُلِقَ القلم جائعا، فإما أن تطعمه بالمعرفة، وإما أن تطلق سراحه ليأكل من خَشاش المعاني .. وتذكّر أنَّ امرأة دخلت النار بسبب هِرَّة حَبَسَتْها !
ياصديقي .!
اقرأ .. فالقراءة أولُ لؤلؤة إلهية أهداها أمين السماء إلى أمين الأرض، فإلى متى ستظل هذه اللؤلؤة المقدّسة تَعرِض بريقها على سماوات خيالك، وأودية عواطفك، وجبال هواجسك؛ فيأبَينَ أن يحملنها، ويُشفِقْن منها؟!

&  !  '  $

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق